فصل: السابع والأربعون باب ما جاء في التنزيل من إضمار الحال والصفة جميعا

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: إعراب القرآن **


 السابع والأربعون باب ما جاء في التنزيل من إضمار الحال والصفة جميعا

وهو شيء لطيف غريب فمن ذلك قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ فمن شهد منكم الشهر ‏"‏ أي‏:‏ فمن شهده منكم صحيحا بالغا‏.‏

ومن ذلك قوله في الصفة‏:‏ ‏"‏ وإن كان رجلٌ يورث كلالةً أو امرأةً وله أخٌ أو أخت ‏"‏ والتقدير‏:‏ وله أخ أو أخت من أم فحذف الصفة‏.‏

وقال‏:‏ ‏"‏ وأوتيت من كل شيء ‏"‏ ‏"‏ وفتحنا عليهم أبواب كل شيء ‏"‏ كان المعنى‏:‏ كل شيء أحبته وكل شيء أحبوه‏.‏

وقال في الريح‏:‏ ‏"‏ ما تذر من شيءٍ أتت عليه إلا جعلته كالرميم ‏"‏‏.‏

وقال‏:‏ ‏"‏ تدمر كل شيء ‏"‏ ولم تجتح هودا والمسلمين معه‏.‏

وقوله‏:‏ ‏"‏ وكذب به قومك ‏"‏ يعني الكافرين لأن فيهم حمزة وعلياً وجعفرا‏.‏

وقال‏:‏ ‏"‏ حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً ‏"‏ أي‏:‏ شيئا مما ظنه وقدره يبين ذلك قول العباس بن مرداس‏:‏ وقد كنت في الحرب ذاتدرأ فلم أعط شيئاً ولم أمنع أراد شيئاً مما قدرت إعطائي إياه‏.‏

وبعد هذا البيت‏:‏ إلا أفائل أعطيتها عديد قوائمه الأربع فقال‏:‏ لم أعط شيئا‏.‏

ثم قال‏:‏ إلا أفائل أعطيتها‏.‏

وعلى هذا قولهم‏:‏ ما أنت بشيء أي‏:‏ شيء يقع به اعتداد‏.‏

فهذا قريب من قولهم‏:‏ تكلمت ولم تتكلم‏.‏

وقريب من هذا قول الكميت‏:‏ كأنه لم يعط عطاء يكون له موضع أو يكون له اعتداد‏.‏

وقريب من هذا قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ فان له جهنم لا يموت فيها ولا يحيى ‏"‏ والذي لا يموت يحيا والذي لا يحيا يموت ولكن المعنى‏:‏ لا يحيى حياة طيبة يعتد بها ولا يموت موتا مريحا مما دفعوا إليه من مقاساة العذاب وكأن الإحياء للعذاب ليس بحياة معتدٍّ بها‏.‏

قال عثمان‏:‏ وأما حذف الحال فلا يحسن وذلك أن الغرض فيها إنما هو توكيد الخبر بها وما طريقه طريق التوكيد غير لائقٍ به الحذف لأنه ضد الغرض ونقيضه ولأجل ذلك لم يجز أبو الحسن تأكيد الهاء المحذوف من الصلة نحو‏:‏ الذي ضربت نفسه زيد على أن يكون نفسه توكيدا للهاء المحذوفة من ضربت وهذا مما يترك مثله كما يترك إدغام الملحق إشفاقا من انتقاض الغرض بإدغامه‏.‏

فأما ما أجزناه من حذف الحال في قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ فمن شهد منكم الشهر فليصمه ‏"‏ أي‏:‏ فمن شهده صحيحا بالغا فطريقه‏:‏ أنه لما دلت الدلالة عليه من الإجماع والسنة جاز حذفه تخفيفا‏.‏

وإما إذا عريت الحال من هذه القرينة وتجرد الأمر دونها لما جاء حذف الحال على وجه‏.‏

وحكى سيبويه‏:‏ سير عليه ليل وهم يريدون‏:‏ ليل طويل وكأن هذا إنما حذفت فيه الصفة لما دل من الحال على موضعها وذلك أنك تحس في كلام القائل لذلك من التطويح والتطريح والتفخيم والتعظيم ما يقوم مقامه قوله‏:‏ طويل ونحو ذلك وأنت تحس هذا من نفسك إذا تأملته وذلك أن يكون في مدح فتقول‏:‏ كان والله رجلاً فتزيد في قوة اللفظ بالله هذه الكلمة وتمكن في تمطيط اللام وإطالة الصوت عليها أي‏:‏ رجلا فاضلا شجاعا أو كريما أو نحو ذلك وكذلك تقول‏:‏ سألناه فوجدناه إنسانا وتمكن الصوت بإنسان وتفخمه فتستغنى بذلك عن وصفه وتريد‏:‏ إنسانا سمحا أو جوادا أو نحو ذلك وكذلك إن ذممته ووصفته بالضيق قلت‏:‏ سألناه وكان إنسانا‏.‏

وتزوى وجهك وتقطبه فيغنى عن ذلك قولك‏:‏ إنسانا لئيما أو بخيلا أو نحو ذلك‏.‏

فعلى هذا وما يجري مجراه تحذف الصفة‏.‏

فأما إن عريت من الدلالة عليها من اللفظ أو الحال فإن حذفها لا يجوز ألا تراك لو قلت‏:‏ وردنا البصرة فاجتزنا بالأبلة على رجل أو رأينا بستانا وسكت لم تفد بذلك شيئا لأن هذا ونحوه مما لا يعرى منه ذلك المكان وإنما المتوقع أن تصف من ذكرت وما ذكرت فإن لم تفعل كلفت علم ما لا يدل عليه وهو لغو من الحديث وتجوز في التكليف‏.‏

ومن ذلك ما يروى في الحديث‏:‏ ‏"‏ لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد ‏"‏‏.‏

أي‏:‏ لا صلاة كاملة أو فاضلة ونحو ذلك‏.‏

ومثله‏:‏ لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي عليه السلام‏.‏

باب ما جاء في التنزيل من الجمع يراد به التثنية فمن ذلك قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ فإن كان له إخوةٌ فلأمه السدس ‏"‏‏.‏

وأجمعوا غير ابن عباس أن الأخوين يحجبان الأم من الثلث إلى السدس خلافا له فإنه لا يحجب إلا بوجود ثلاثة إخوة‏.‏

ومن ذلك قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما ‏"‏ أي‏:‏ يديهما‏.‏

ومن ذلك قوله‏:‏ ‏"‏ إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما ‏"‏ أي‏:‏ قلباكما‏.‏

مثل هذا لا يجوز فيه الإفراد استتغناء بالمضاف إليه وتجوز فيه التثنية اعتبارا بالحقيقة ويجوز فيه الجمع اعتبارا بالمعنى لأن الجمع ضم نظير إلى نظير كالتثنية‏.‏

وقالوا‏:‏ كل شيء من شيئين فتثنيتهما جمع كقولك‏:‏ ضربت رءوس الزيدين وقطعت أيديهما وأرجلهما وهذا أفصح عندهم من رأسيهما كرهوا أن يجمعوا بين تثنيتين في كلمة واحدةٍ فصرفوا الأول إلى لفظ الجمع لأن التثنية جمع في المعنى لأن معنى الجمع ضم شيءٍ إلى شيءٍ فهو يقع على القليل والكثير وأنشدوا‏:‏ ومهمهين قذفين مرتين ظهراهما مثل طهور الترسين فأما قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ فلا أقسم برب المشارق والمغارب ‏"‏ فقيل‏:‏ هو من هذا الباب لقوله‏:‏ ‏"‏ رب ومعنى ‏"‏ رب المشرقين ورب المغربين ‏"‏ قيل‏:‏ المشرقان‏:‏ الشتاء والصيف وكذا المغربان‏.‏

عن ابن عباس‏.‏

وقيل‏.‏

مشرق الشمس والفجر ومغرب الشمس والشفق‏.‏

قوله‏:‏ يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين‏.‏

قيل‏:‏ معناه‏:‏ بعد المشرق والمغرب‏.‏

فهذا كالقمرين والعمرين‏.‏

وقيل‏:‏ مشرق الشتاء والصيف‏.‏

وأما قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ وإذ قال الله يا عيسى بن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله ‏"‏‏.‏

وهم لم يدعوا إلهية مريم كما ادعوا إلهية المسيح فيما يزعمون فإن ذلك يجيء على‏:‏ لنا قمراها والنجوم الطوالع والعجاجان لرؤبة والعجاج والأسودان للماء والتمر أطلق على أحدهما اسم الآخر وإن لم يكن ذلك اسما له‏.‏

واعلم أنه قد جاءت التثنية يراد بها الكثرة والجمع كما جاء الجمع يراد به التثنية‏.‏

قال الله تعالى‏:‏ ‏"‏ بل يداه مبسوطتان ‏"‏‏.‏

وقال‏:‏ ‏"‏ ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئاً وهو حسير ‏"‏‏.‏

أي‏:‏ كرتين اثنتين‏.‏

وإنما ذاك بكراتٍ وكأنه قال‏:‏ كرة بعد كرة كما قالوا‏:‏ لبيك أي‏:‏ إلبابا بعد إلباب وإسعادا بعد إسعادٍ في‏:‏ سعديك وحنانيك‏:‏ تحننا بعد تحنن قال‏:‏ ضرباً هذاذيك وطعناً وخضا أي هذا بعد هذٍ‏.‏

وأنشدوا للكميت‏:‏ وأنت ما أنت في غبراء مظلمةٍ إذا دعت ألليها الكاعب الفضل أي‏:‏ أللا بعد ألل‏.‏

وهذا حديث يطول‏.‏

وأما قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ ولمن خاف مقام ربه جنتان ‏"‏‏.‏

الفراء يريد به المفرد كقوله‏:‏ ومهمهين ثم قال‏:‏ قطعته وهذا لا يصح كقوله ‏"‏ وجنى الجنتين ‏"‏ وقوله‏:‏ ‏"‏ جنةً وحريرا ‏"‏ ‏"‏ ودانيةً ‏"‏ وقوله ‏"‏ قطعته ‏"‏ كقوله‏:‏ ‏"‏ معين بسواد ‏"‏ في الرد إلى الأول‏.‏

ومن ذلك قوله‏:‏ ‏"‏ أولئك مبرءون ‏"‏ يعني‏:‏ عائشة وصفوان‏.‏

وقال‏:‏ ‏"‏ وألقى الألواح ‏"‏ وفي التفسير‏:‏ كان معه لوحان‏.‏

وقال‏:‏ ‏"‏ وكنا لحكمهم شاهدين ‏"‏ والمتقدم‏:‏ داود وسليمان‏.‏

وأما قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ إن المتقين في جناتٍ ونهر في مقعد صدق ‏"‏‏.‏

هو على حذف المضاف أي‏:‏ في وكذا قراءة من قرأ ‏"‏ في مسكنهم ‏"‏ أي‏:‏ في موضع سكناهم لأن الاستغناء بالجمع عن المضاف إليه أكثره في الشعر نحو‏:‏ ‏"‏ في حلقكم عظم ‏"‏ و ‏"‏ بعض بطنكم ‏"‏‏.‏

نقل فارسهم‏.‏

 التاسع والأربعون باب ما جاء في التنزيل منصوبا على المضاف إليه

وهذا شيء عزيز قال فيه فارسهم‏:‏ إن ذاك قد أخرج بطول التأمل والفكر‏.‏

فمن ذلك قوله عز من قائل‏:‏ ‏"‏ قال النار مثواكم خالدين فيها إلا ما شاء الله ‏"‏ ‏"‏ خالدين ‏"‏ حال من الكاف والميم المضاف إليهما مثوى ومثله‏:‏ ‏"‏ إن دابر هؤلاء مقطوعٌ مصبحين ‏"‏ ف ‏"‏ مصبحين ‏"‏ حال من ‏"‏ هؤلاء ‏"‏‏.‏

وكذلك قوله‏:‏ ‏"‏ ونزعنا ما في صدورهم من غلٍّ إخواناً ‏"‏ ‏"‏ إخوانا ‏"‏ حال من المضاف إليهم في قوله في ‏"‏ صدورهم ‏"‏‏.‏

ومثله‏:‏ ‏"‏ إليه مرجعكم جميعا ‏"‏‏.‏

قال أبو إسحاق‏:‏ المثوى‏:‏ المقام و ‏"‏ خالدين فيها ‏"‏ منصوب على الحال أي‏:‏ النار مقامكم في حال خلودٍ دائما‏.‏

قال أبو علي‏:‏ مثوى عندي في الآية اسم للمكان دون المكان لحصول الحال في الكلام معملا فيها ألا ترى أنه لا يخلو من أن يكون موضعا أو اسم مصدرٍ فلا يجوز أن يكون موضعا لأن اسم الموضع لا يعمل عمل الفعل لأنه لا معنى للفعل فيه فإذا لم يكن موضعا ثبت أنه مصدر والمعنى‏:‏ النار ذات إقامتكم أي‏:‏ النار ذات إقامتكم فيها خالدين أي‏:‏ هم أهل أن يقيموا ويثبتوا خالدين فالكاف والميم فاعل في المعنى وإن كان في اللفظ خفض بالإضافة‏.‏

وأما قوله‏:‏ وما هي إلا في إزار وعلقة مغار ابن همام على حي خثعما فهو أيضا على حذف المضاف‏.‏

المعنى‏:‏ وما هي إلا في إزار وعلقة وقت إغارة ابن همام‏.‏

ألا ترى أنه قد عداه ب على إلى حي خثعما فإذا عداه ثبت أنه مصدر إذ اسما المكان والزمان لا يتعديان فهو من باب‏:‏ خفوق النجم ومقدم الحاج وخلافة فلان ونحوه من المصادر التي استعملت في موضع الظرف للاتساع في حذف المضاف الذي هو اسم زمان وإنما حسن ذلك في المصادر لمطابقتها الزمان في المعنى ألا ترى أنه عبارة عن منقض غير باق كما أن الزمان كذلك ومن ثم كثر إقامتهم ما التي مع الفعل بمعنى المصدر مقام ظرف الزمان لقولهم‏:‏ أكلمك ما خلا ليل نهارا وما خلفت جرة درة ‏"‏ وكنت عليهم شهيداً ما دمت فيهم ‏"‏ حتى إن قوما من النحويين يسمونها‏:‏ ما الوقت وحقيقته‏:‏ ما أعلمتك‏.‏

وقال في التذكرة‏:‏ القول في مثوى‏:‏ إنه لا يخلو من أن يكون اسم مكان أو مصدرا والأظهر المكان فإذا كان كذلك فالحال من المضاف إليهم كما إن قوله‏:‏ يعني الجعدي‏:‏ كأن حواميه مدبراً خضبن وإن كان لم يخضب حال من المضاف إليه‏.‏

وإن جعلت المثوى مصدرا ألزمك أن تقدر حذف المضاف كأنه‏:‏ موضع ثوائكم خالدين فيكون الحال من المصدر والعامل فيها كأنه‏:‏ يثوون فيها خالدين‏.‏

فالعامل في الحال على هذا المصدر وفي الوجه الأول معنى الإضافة مثل قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ فما لهم عن التذكرة معرضين ‏"‏ الحال عن الإضافة وما فيه من معنى الفعل هو العامل والدليل على ذلك أنه لا يخلو من أن يكون العامل المضاف إليهم أو معنى اللام فلا يكون معنى اللام لأنه لو كان كذلك لم تكن الحال مجموعا بالواو والنون ألا ترى أن ‏"‏ ما لهم ‏"‏ أي‏:‏ شيء وأي شيء ثبت لهم لا يكون جميعا مما يعقل فلا يكون الحال عنه وإذا لم يكن عنه علمت أنه من المضاف إليهم وأن العامل في الحال ما في الإضافة من معنى الفعل وحروف الجر في هذا بمنزلة الأسماء كما كانت الأسماء بمنزلتها في نحو‏:‏ غلام من تضرب أضرب وفي الاستفهام‏:‏ غلام من تضرب كما تقول‏:‏ بأيهم تمرر وغلام من تضرب أضرب بمنزلة‏:‏ من تمرر أمرر‏.‏

وقال في موضع آخر من التذكرة‏.‏

‏.‏

القول في قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ فما لهم عن التذكرة معرضين ‏"‏‏:‏ إن الحال لا يخلو فيه من أن يكون‏:‏ عما في اللام أو عن المضاف إليهم فلا يجوز أن يكون عما في اللام فإذا لم يجز ذلك ثبت أنه عن المضاف إليهم والمضاف إليه إنما جاز انتصاب الحال عنه لأنه لا تخلو الإضافة فيه من أن تكون بمعنى اللام أو بمعنى من فمن أي القسمين كان فمعنى الفعل فيه حاصل فانتصابهما عن معنى الفعل ولا يكون ذلك معنى مضمرا كما ذهب إليه أبو عثمان في قوله‏:‏ وإذ ما مثلهم بشر ولكن حكم منزلة الحرف المراد في الظرف في ذلك حكم الإظهار لأن الإضمار لا يلزمه ألا ترى أنك إذا كنيت عنه ظهر الحرف فكذلك حكم الظرف المراد في الإضافة لما لم يلزم حذفه لقولك‏:‏ ثوب زيدٍ وثوب لزيدٍ وحلقة حديدٍ وحلقة من حديد بمنزلة الحرف الذي يراد في الظرف ولا يلزم حذفه فعن هذا يلتزم الحال عن المضاف إليه‏.‏

ومما يبين ذلك قوله‏:‏ ألا ترى أن الحال لا تكون من المضاف إليه ولا تكون من كان لأنه لا عمل لها في ذي الحال ولا من خبرها فإذا لم يجز ذلك ثبت أنه من المضاف إليه كما أنها في الآية من المضاف إليه‏.‏

فأما قوله‏:‏ فهل في معدٍّ فوق ذلك مرفدا فلا يخلو من أحد أمرين‏:‏ أحدهما‏:‏ على ما يذهب إليه أبو الحسن في قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ وأنا منا الصالحون ومنا دون ذلك ‏"‏ ونحوها فيكون في موضع رفع‏.‏

والآخر‏:‏ أن يكون صفة والموصوف محذوف‏.‏

فيجوز انتصاب المرفد أن يكون حالا عن كل واحدٍ من القولين ويجوز أن يكون من المضاف إليه ويجوز أن يكون تبيينا عن ذلك مثل‏:‏ أفضلهم رجلا‏.‏

ومن ذلك قوله‏:‏ ‏"‏ أن دابر هؤلاء مقطوعٌ مصبحين ‏"‏ ف ‏"‏ مصبحين ‏"‏‏.‏

حال من المضاف إليهم أعنى‏:‏ ‏"‏ هؤلاء ‏"‏‏.‏

المتم الخمسين فمن ذلك قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا ‏"‏‏.‏

المعنى‏:‏ أي لا تشركوا به شيئا ف لا ناهية جازمة و أن بمعنى أي‏.‏

وقيل‏:‏ بل التقدير فيه‏:‏ ذلك ألا تشركوا فيه فيكون خبر مبتدأ مضمر أي‏:‏ المتلو ألا تشركوا وليس التقدير‏:‏ المحرم ألا تشركوا لأن ترك الشرك ليس محرما كما ظنه الجاهل ولا أن لا زائدة‏.‏

وقيل‏:‏ التقدير‏:‏ حرم عليكم بألا تشركوا‏.‏

وقيل‏:‏ التقدير‏:‏ أتلو عليكم ما حرم أي‏:‏ أتلوا المحرم لئلا تشركوا‏.‏

وقيل‏:‏ التقدير‏:‏ عليكم ألا تشركوا و أن هذه نابية عن القول وتأتي بعد فعل في معنى القول وليس بقول كقولك‏:‏ كتبت إليك أن قم‏.‏

تأويله‏:‏ قلت لك قم‏.‏

ولو قلت‏:‏ قلت لك أن تقوم لم يجز لأن‏:‏ القول يحكى ما بعده ويؤتى بعده باللفظ الذي يجوز وقوعه في الابتداء وما كان في معنى القول وليس بقول فهو يعمل وما بعده ليس كالكلام المبتدأ‏.‏

وهذا الوجه في أن لم يعرفه الكوفيون ولم يذكروه وعرفه البصريون وذكروه وسموه‏:‏ أن التي للعبارة وحملوا عليه قوله‏:‏ ‏"‏ وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا ‏"‏‏.‏

وفي تقديره وجهان‏:‏ أحدهما‏:‏ انطلقوا فقالوا‏:‏ قال بعضهم لبعضٍ‏:‏ امشوا واصبروا وذلك أنهم انصرفوا من مجلسٍ دعاهم فيه النبي صلى الله عليه وعلى آله إلى توحيد الله تعالى وذكره وترك الآلهة دونه وصار انطلق الملأ لما أضمر القول بعده لمعنى فعلٍ يتضمن القول نحو‏:‏ كتبت وأشباهه‏.‏

والوجه الأخر‏:‏ أن يكون انطلقوا بمعنى‏:‏ تكلموا كما يقال‏:‏ انطلق زيد في الحديث كأن خروجه عن السكوت إلى الكلام هو الانطلاق‏.‏

ويقال في ‏"‏ أن امشوا ‏"‏‏:‏ أن اكثروا وانموا‏.‏

وليس المشى ها هنا قطع الأماكن بل المعنى هو الذهاب في الكلام مثل‏:‏ ‏"‏ والذين يسعون في آياتنا ‏"‏‏.‏

ومعنى المشى هو الدؤوب والملازمة والمداومة على عبادتها مثل‏:‏ ‏"‏ إلا ما دمت عليه قائماً ‏"‏ ليس يريد الانتصاب وإنما يريد الاقتضاء ومثل‏:‏ ‏"‏ القيوم ‏"‏ أي‏:‏ المديم حفظه خلقه‏.‏

فإن قيل‏:‏ فإذا كان تأويل المشى على ما ذكرتم فغير ممتنع أن يكون التقدير‏:‏ انطلقوا بالمشى لأنه يكون على هذا المعنى‏:‏ أوصوهم بالملازمة لعبادتها قيل الوصية وإنما هي العبادة في الحقيقة لا بغيرها فلا يجوز تعليق الوصية بغير العبادة‏.‏

وأيضا ليس المعنى‏:‏ ذهبوا في الكلام وخاضوا فيه بالمداومة والملازمة بالعبادة‏.‏

وأما قوله‏:‏ ‏"‏ ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ‏"‏‏.‏

أن بمعنى‏:‏ أي وهي تفسير ‏"‏ أمرتني ‏"‏ لأن في الأمر معنى أي‏:‏ ولو قلت‏:‏ ما قلت لهم إلا ما قلت لي أن اعبدوا الله لم يجز لأنه قد ذكر أولها‏:‏ أن يكون الفعل والذي يفسره أو يعبر عنه فيه معنى القول وليس بقولٍ وقد مضى هذا‏.‏

والثاني‏:‏ ألا يتصل به شيء منه صار في جملته ولم يكن تفسيرا له كالذي قدره سيبويه‏:‏ أوعزت إليه بأن افعل‏.‏

والثالث‏:‏ أن يكون ما قبلها كلاما تاما لأنها وما بعدها جملة تفسر جملة قبلها ومن أجل ذلك كان قوله‏:‏ ‏"‏ وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين ‏"‏‏:‏ وآخر قولهم ‏"‏ دعواهم ‏"‏ مبتدأ و ‏"‏ آخر قولهم ‏"‏ مبتدأ لا خبر معه وهو غير تام فلا يكون بعده أن بمعنى أي‏.‏

وقوله تعالى‏:‏ ‏"‏ وناديناه أن يا إبراهيم‏.‏

قد صدقت الرؤيا ‏"‏‏.‏

ومعناه‏:‏ بأنك قد صدقت الرؤيا‏.‏

وأجاز الخليل أيضاً أن يكون على أي لأن ‏"‏ ناديناه ‏"‏ كلام تام ومعناه‏:‏ قلنا‏:‏ يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا‏.‏

ومن ذلك قوله‏:‏ ‏"‏ ولقد أرسلنا موسى بآياتنا أن أخرج قومك ‏"‏ يكون بمعنى أي ويكون بإضمار الباء كما حكى الخليل‏:‏ أرسل إليه بأنك ما أنت وذا‏.‏

وأما قوله‏:‏ ‏"‏ وجعلناه هدىً لبني إسرائيل ألا تتخذوا من دوني وكيلا ‏"‏ فيمن زعم وهو معمر ‏"‏ ألا تتخذوا من دوني ‏"‏ على إضمار القول كأنه يراد به‏:‏ قلنا أن لا تتخذوا ولم يكن قوله هذا متجها وذلك أن القول لا يخلو من أن تقع بعده جملة على معنى‏:‏ يحكى أو معنى جملة تعمل في لفظه‏.‏

القول الأول‏:‏ كقولك‏:‏ قال زيد عمرو لمنطلق فموضع الجملة نصب بالقول‏.‏

والآخر يجوز أن يقول القائل‏:‏ لا إله إلا الله فتقول‏:‏ قلت حقا أو يقول‏:‏ الثلج حار فتقول‏:‏ قلت باطلا فهذا معنى ما قاله وليس نفس القول‏.‏

وقوله ‏"‏ أن لا تتخذوا ‏"‏ خارج من هذين الوجهين ألا ترى أن ‏"‏ أن لا تتخذوا ‏"‏ ليس هو معنى القول كما أن قولك‏:‏ حقا إذا سمعت كلمة الإخلاص معنى القول وليس قوله ‏"‏ أن لا تتخذوا ‏"‏ بجملة فيكون كقولك‏:‏ قال زيد عمرو منطلق‏.‏

ويجوز أن يكون بمعنى أي أي التي للتفسير انصراف الكلام من الغيبة إلى الخطاب كما انصرف من الخطاب في قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ وانطلق الملأ منهم أن امشوا ‏"‏ إلى الأمر كذلك انصرف من الغيبة إلى النهي في قوله‏:‏ ‏"‏ أن لا تتخذوا ‏"‏ وكذلك قوله‏:‏ ‏"‏ أن اعبدوا الله ربي ‏"‏ في وقوع الأمر بعد الخطاب ويجوز أن تضمر القول وتخمل ‏"‏ تتخذوا ‏"‏ على القول المضمر إذا جعلت أن زائدة فيكون التقدير‏:‏ وجعلناه هدى لبني إسرائيل فقلنا‏:‏ لا تتخذوا من دوني وكيلا فيجوز إذا في قوله‏:‏ ‏"‏ أن لا تتخذوا ‏"‏ ثلاثة أوجه‏:‏ أحدها‏:‏ أن تكون الناصبة للفعل فيكون المعنى‏:‏ وجعلناه هدى كراهة أن تتخذوا من دوني والآخر‏:‏ أن تكون بمعنى أي لأنه بعد كلام تام فيكون التقدير‏:‏ أي لا تتخذوا‏.‏

والثالث‏:‏ أن تكون أن زائدة وتضمر القول‏.‏

وأما قوله‏:‏ ‏"‏ وقضى ربك ألا تعبدوا ‏"‏‏.‏

قال أبو علي‏:‏ يكون أن التفسير لأن ‏"‏ قضى ربك ‏"‏ كلام تام ولا ‏"‏ تعبدوا ‏"‏ نهى كأنه‏:‏ قضى ربك هذا وأمر بهذا‏.‏

فعلى هذا يكون قوله‏:‏ ‏"‏ وبالوالدين إحساناً ‏"‏ كأنه أمر بعد نهي كأنه‏:‏ وأحسنوا بالوالدين إحسانا وتكون الناصبة للفعل أيضا فيكون الواو في ‏"‏ بالوالدين ‏"‏ عاطفة على أن كأنك قلت‏:‏ قضى بأن لا تعبدوا وأن تحسنوا ويكون الفعل بعد الواو القائمة مقام أن محذوفا وما أقل ما يحذف الفعل في صلة أن وكذلك ينبغي ألا يحذف بعدما يقوم مقامها وقد قال‏:‏ أما أنت منطلقا انطلقت إليك فحمله على أن كنت وما بدل من الفعلين وليس في الآية بل فلا تحمل على أن الناصبة‏.‏